مقالات

الإنترنت الدولي يصبح مجالاً جديداً للحروب!

الشبكة العنكبوتية العالمية “الإنترنت”، بدأ تدويلها في تسعينيات القرن الماضي أي في نفس حقبة سقوط الاتحاد السوڤييتي، وتحول العالم إلى قطب سياسي واحد، وانتشار العولمة تأكيداً لانتصار الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة على الشيوعية بقيادة الاتحاد السوڤييتي، وقد سبق تدويل الإنترنت الحرب الباردة التي اتخذت من استكشاف الفضاء سلاحاً سياسياً.

إذاً التكنولوجيا منذ فترة طويلة كانت ولا تزال سلاحاً سياسياً تستخدمه الدول لتحقيق مصالحها، وكأي سلاح فله هدفين إما لدرء الاعتداء وإما للعدوان على الغير، فكيف لا يكون الإنترنت هو السلاح السياسي الجديد، وهو الذي يساعد من يسيطر عليه في حكم العالم؟! فالإنترنت شبكة معلومات، والمعلومات قادرة على قلب أنظمة حكم وتدمير دول بأكملها!

لهذا نرى أن عقوبات الحلفاء على روسيا جزء منها يعتمد على خدمات الإنترنت والمواقع العالمية للضغط على الروس وجعل غزوهم لأوكرانيا مكلف جداً، وهنا قد تقوم روسيا بقطع الإنترنت عن دول الحلفاء بمبدأ “عليّ وعلى أعدائي”. قبل أن نتساءل عن مصلحة روسيا أو كيف سيتصدى الحلفاء، يجب أن نعرف ما لدى روسيا من إمكانيات لفعل هذا.

هل لدى روسيا الإمكانيات الكافية لقطع الإنترنت عن دول الحلفاء؟

نعم، لدى روسيا الإمكانيات العسكرية والتكنولوجيا الكافية لقطع الإنترنت عن دول الحلفاء، وتعمل على البرنامج الروسي تحت الماء لمراقبة الكابلات الدولية المدفونة في أعماق المحيط القطبي الشمالي وبعض بحار شمال أوروبا منذ عشرين عاماً أو أكثر، ولدى روسيا حسب Naval News وسائل لقطع كابلات الإنترنت عن الحلفاء مثل الغواصات الحاملة لغواصات التجسس وسفن التجسس والمركبات البحرية المُسيرة والغواصات متعددة المهام بل وحتى حيتان البيلوجا البيضاء المُدربة، ولهذا تستطيع قطع الكابلات مهما كان عمقها.

الإنترنت, Internet

تُعد فرنسا من أكبر الدول المُهددة من قدرة روسيا على قطع الإنترنت عنها، حيث يصل إلى 51 كابلاً بصرياً أهمها “Megacables” العملاقة، ولقد حذر كل من وزير الحربية الفرنسي ومدير شبكات المحمول بشركة Orange الفرنسية من تهديد روسيا لكابلات الإنترنت التي يصل بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وخصوصاً الولايات المتحدة التي تستقبل 80% من حركة المرور “Traffic” الآتية من أوروبا، وصرح الأخير بأن قطع اثنين أو ثلاثة من كابلات “Megacables” عن فرنسا يترتب عليه وضعها في موقف صعب.

المشكلة أن هذه الكابلات تكلف ملايين الدولارات وصيانتها ليست باليسيرة إطلاقاً وتستغرق عدة أيام، وهذه المدة كفيلة لتكبيد فرنسا خسائر بمليارات الدولارات بسبب تضرر نظام البورصة وحرمان المواطنين من خدمات كثيرة، وهذه الكابلات ممولة أيضاً من شركات خاصة عملاقة مثل Google، وتوجد 40 مؤسسة لإدارة الإنترنت عبر الكابلات والإشراف عليها مثل Orange.

Credit: The Telegraph

لدى بريطانيا أيضاً مخاوف من قدرة روسيا على قطع كابلات الإنترنت عنها، وحسب The Guardian، حذر الأدميرال Tony Radakin قائد البحرية الملكية البريطانية في لقاء صفحي عام 2017 مع جريدة Times من تعرض الكابلات لهجوم روسي قائلاً:

لديّ مخاوف بشأن الزيادة الهائلة للغواصات الروسية والنشاط تحت الماء، فالأمر أكبر من مجرد غواصات

البرنامج الروسي تحت الماء يهدف إلى تعريض الكابلات تحت سطح البحر للخطر وربما استغلالها، والتي توفر نظام المعلومات الحقيقي في العالم، وأي محاولة لتخريبها يمكن اعتبارها عمل حربي

HMS Northumberland

يُذكر أنه في العام 2020 تصادمت غواصة روسية لأول مرة منذ الحرب الباردة بمجموعة سونار متصلة بالفرقاطة البريطانية HMS Northumberland قرب مناطق الكابلات مما أثار الشكوك تجاه السلوك الروسي، كما اكتشف الجيش الفرنسي مؤخراً سفينة تجسس تابعة لوزارة الدفاع الروسية، ولذلك فإن الغواصات المحلية والدولية تراقب الكابلات كل يوم طوال العام.

كيف سيرد الحلفاء على التهديد الروسي المحدق؟

لدى الحلفاء عدة وسائل للرد على التهديد الروسي، أولها تأمين كابلات الإنترنت الدولية، وتجهيز مرشحين لرئاسة الاتحاد الدولي للاتصالات بالأمم المتحدة، وتنفيذ الهجمات السيبرانية، وأخيراً قطع الإنترنت كعقوبة اقتصادية لعزل روسيا دولياً

بالتأكيد قد حذرت أول شيء عمل عليه الحلفاء لدرء التهديد الروسي… نعم، العمل على تأمين كابلات الإنترنت الدولية، فالسفن الحربية البريطانية تحمي وتراقب كابلات الإنترنت من الغواصات الروسية في عدة مناطق أهمها شمال الأطلسي، وفرنسا أيضاً لم تقف مكتوبة الأيدي حيث قال وزير الحربية الفرنسي:

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بأسبوع، اتخذت قراراً بتجهيز قواتنا بالوسائل اللازمة للوصول تحت عمق يصل إلى 6,000 متر، وهذا يسمح لها بتغطية 97% من أعماق البحار وحماية مصالحنا بفاعلية.

Credit: AXIOS

على الصعيد الدبلوماسي نجد تنافساً بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الفيدرالية بتجهيز مُرشح لرئاسة الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي إحدى هيئات الأمم المتحدة، وفي سبتمبر من هذا العام ستقوم 193 دولة بانتخاب المُرشح لرئاسة الاتحاد، والمُرشح الفائز يسمح لدولته باختيار بروتوكول الإنترنت الدولي، فترى الولايات المتحدة وحلفائها ضرورة السماح بحرية أكبر في استخدام الإنترنت، بينما ترى روسيا والصين وحلفائهما ضرورة إخضاع الإنترنت للتحكم والرقابة بوصفها دولاً شيوعية.

Credit: NATO

قد تفشل الدبلوماسية يا عزيزي، وهنا Jens Stolenberg الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي “NATO” صرح بأنه: “يجب على الحلف أن يستعد في حالة فشل الدبلوماسية”، وهنا يقصد كافة الحلول غير الدبلوماسية، وعلى الأغلب يقصد الهجمات السيبرانية… لا تتعجب من استخدام حلف الناتو للهجمات السيبرانية، ألم أخبرك أن الإنترنت أصبح سلاحاً؟ والذي يؤكد ما أقوله تقرير جريدة Times الذي يُرجح تنفيذ البريطانيين لهجمات سيبرانية ضد روسيا.

أخيراً قد يلجأ الحلفاء إلى استهداف البنية التحتية للإنترنت بروسيا، وحسب Jim Cowie المشارك المؤسس في Renesys المتخصصة في الإنترنت والتابعة حالياً لشركة Oracle، فإن روسيا لديها 20 مزود للإنترنت وقد تكون حركة مرورها “Traffics” تستخدم نفس الكابل البصري، لذا فإن استهداف هذا الكابل يعطل الإنترنت بشكل شبه تام عن روسيا. لحسن الحظ، صدر أمر لوزارة الخزانة الأمريكية في 21 فبراير أعفى الاتصالات السلكية واللاسلكية من العقوبات.

الإنترنت, Internet

رغم أن أمر وزارة الخزانة الأمريكية ينطوي على مبدأ إنساني نوعاً ما، ولكن استهداف البنية التحتية للإنترنت بدون تدخل عسكري أمر مُعقد أصلاً، وذلك لأن البنية التحتية للإنترنت شديدة الضخامة، وتختلف سهولة تدميرها بين دولة وأخرى، وما مدى سهولة الأمر في روسيا؟ أخدت Renesys بعدد مزودي الخدمة كمعيار لتحديد مدى سهولة قطع الإنترنت عن الدول، ولذلك تُعد البنية التحتية لروسيا مقاومة لانقطاع الإنترنت عكس جرينلاند ومالي وتركمنستان.

قد يكون قطع الإنترنت عن روسيا في صالحها!

لا لم أخطئ في كتابة العنوان كما تظن، صدق أو لا تصدق، قد يكون قطع الإنترنت عن روسيا في صالحها، فماذا تتوقع من دولة شيوعية لا تعرف حرية الرأي وتراقب مواطنيها. مهلاً ماذا أعني بمراقبة مواطنيها؟ دعني أوضح لك، إذا تمكنت روسيا من السيطرة على الإنترنت وتخزين معلومات مواطنيها، فهذا سيساعدها على إحكام قبضتها في كيفية تداول المعلومات بما يسمح لها باستخدام الإنترنت في البروباجاندا السياسية وتبرير تصرفاتها أمام مواطنيها.

الإنترنت, Internet

تستعد روسيا خلال نصف العقد الماضي لليوم الذي ينقطع فيه الإنترنت الدولي عنها، وحسب Karen Kazaryn مديرة معهد أبحاث الإنترنت بموسكو، فقد قطعت الحكومة الروسية الإنترنت عن البلاد مؤقتاً في الصيف الماضي لاختبار شبكة Runet المحلية، وهي شبكة وظيفتها خدمة مواقع الويب إذا حدث هجوم سيبراني أو قطع مُتعمد للإنترنت. كما وقع الرئيس فلاديمير بوتين على قانون الإنترنت السيادي في عام 2019، مما منح الحكومة صلاحيات أكبر التحكم بمحتوى الإنترنت.

إنهم لا يريدون الانتقال إلى شبكة عالمية كبيرة واحدة، ولكن إلى شبكات مختلفة حيث يمكنك مراقبة مواطنيك بشكل أسهل.

على المدى الطويل، تريد روسيا أن تكون قادرة على قطع الوصول إلى تطبيق Signal

هذا ما قالته Karen Kornbluh السفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لطالما كانت العزلة في روسيا الحل الأكثر سهولة والأشد إحكاماً للقبضة الحديدية، وذلك بفضل العملاق Yandex، البديل الروسي لكل خدمات Google تقريباً مثل محرك البحث والملاحة والترجمة وغيرهم، ورغم أن Yandex يعاني حالياً من الديون وعدم الاستقرار والتخبط، إلا أنه ما زال فخر روسيا، ويعتمد عليه المواطنين الروس في معظم شئون حياتهم. لذا فقطع الإنترنت عن روسيا ما هو إلا تعجيل بالهدف الذي تسعى روسيا إليه من الأساس!

مقالات ذات صلة:

Mohamed Tahazohier

رئيس قسمي التقنية والهاردوير في Games Mix ومدير محتوى بفروعها. خبرة تفوق 5 سنوات في التقنية وخصوصاً الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. مهتم بصناعة الألعاب، ومحب لألعاب الشوتر والخيال العلمي. مؤسس صفحة تطبيقك على فيسبوك.
زر الذهاب إلى الأعلى