ظهرت تقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” لأول مرة في صناعة الألعاب منذ خمس سنوات بالضبط عندما قدمتها DICE في لعبة Battlefield V. منذ هذا الحين، أصبحت هذه التقنية وسيلةً يستعرض من خلالها مطورو الألعاب رسوميات ألعابهم ومهارتهم في التطوير، لدرجة أن خلو ألعاب AAA منها معناه أن الأداء ليس في أفضل حالاته، فمثلاً لا تدعم Starfield تتبع الأشعة “Ray Tracing” لأنها متطلبة جداً وأداؤها لا يتحمل دعم هذه التقنية.
- اقرأ أيضاً: مراجعة وتقييم لعبة Starfield
رغم أهمية هذه التقنية، إلا أن معظم الألعاب لا تقدمها بالشكل اللائق، فقد لاحظ الكثير من المستخدمين أن الألعاب الداعمة لتتبع الأشعة “Ray Tracing” تبالغ في استعراض التقنية عبر تقديم الكثير من برك المياه، وكأن هذه البرك الطريقة الوحيدة للتأكد من أن التقنية تقوم بعملها جيداً، رغم أن الحياة الواقعية المُستهدف محاكاتها في الألعاب لا تحتوي على هذا القدر من البرك. إذاً ما هو السر وراء كثرة برك المياه في هذه الألعاب يا تُرى؟
لمحة بسيطة عن تقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing”
لنأخذ درساً صغيراً في الفيزياء، من المعلوم أن الضوء عبارة عن نوع من الإشعاعات الكهرومغناطيسية المُكونة من وحدات الفوتونات، وينتقل في خطوط مستقيمة في جميع الظروف إلا إذا واجه ثقباً دودياً حيث تجبره قوى الجاذبية على الانحناء. لكي نرى جسماً، يسافر الضوء من مصدره ويمر عبر بعض الأجسام وينعكس من البعض الآخر وهنا تظهر الأجسام وظلالها لنا، وفي خضم ذلك يفقد الضوء بعضاً من قوته -إن لم تكن كلها- متحولاً لطاقة حرارية.
ما تحاول هذه تقنية الثورية فعله هو محاكاة ما يحدث للضوء في الحياة الواقعية وتطبيقه في الألعاب، حيث تُخضع أشعة الضوء لقوانين الفيزياء أثناء خروجها من مصدرها، ومرورها عبر الأجسام الشفافة وشبه الشفافة، وانعكاسها عبر الأجسام اللامعة، وحجبها بواسطة الأجسام المعتمة، وتضع التقنية في اعتبارها خصائص كل جسم وفقاً لشكل الجسم، ونوع المادة؛ خشب أو معدن أو مياه، والحالة الفيزيائية؛ صلبة أو سائلة أو غازية.
لنطبق ذلك مع إحدى الألعاب، وسأغير المثال عن مقالة سابقة تخص تتبع الأشعة “Ray Tracing”. لنتفرض أنك فعلت التقنية أثناء لعب Cyberpunk 2077 -وأوصيك بتجربتها بعد توسعة Phantom Liberty- وتجولت في الشارع لتصادف لوحة إعلانية مضيئة. ستجد أن الضوء الصادر من هذه اللوحة ينعكس عبر هياكل السيارات ليسقط على بركة مياه صغيرة مثلاً، هنا سترى انعكاس اللوحة عبر بركة المياه وكأنها مرآة، ولن يحدث ذلك إلا إذا كانت قوانين الفيزياء تسمح للضوء بالتصرف هكذا في نفس الموقف.
لماذا يبالغ مطورو الألعاب الداعمة لتقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” في استعراض برك المياه؟
تُعد برك المياه والمُسطحات المائية وغيرها من الأشياء اللامعة والعاكسة الزجاجية والمعدنية خير وسيلة لإغراء أعين اللاعبين وغمرهم في عالم اللعبة، حيث يشعر اللاعبون من خلالها أن عالم اللعبة حي ويتفاعل معهم، ولا يهم أن تكون الأشعة المُنعكسة داخل اللعبة مُولدة بواسطة تقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” أو خاضعة لقوانين الفيزياء، ولكن المهم أن تكون هذه البرك والمُسطحات المائية واقعية إلى حد ما وأن تعكس الأشعة بشكل جيد.
المثير للاهتمام أن الألعاب الداعمة لهذه التقنية تحتوي على الكثير من برك المياه والأجسام الملساء حقاً وكأنها جزء لا يتجزأ من التجربة البصرية، ويبدو ذلك جلياً في الإعلانات التشويقية لبعض الألعاب، خصوصاً عندما كانت التقنية حديثة العهد في صناعة الألعاب. الدعاية التجارية كانت ولا تزال محركاً رئيسياً لهذه الخدعة التسويقية، فاستعراض التقنية عبر المُسطحات المائية والأجسام الملساء، يعطي اللاعبين انطباعاً قوياً بأن رسوميات اللعبة فائقة ومصقولة جيداً مما يزيد من إقبالهم عليها.
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة Forspoken
ليس هذا فحسب، فقد يكون السبب وراء تقديم الكثير من برك المياه وغيرها من المُسطحات البراقة هو رغبة المطور المستقل في تعريف أكبر عدد من اللاعبين بلعبته وكأنه نوع من الدعاية المجانية. من ذلك ما قام به المطور الصيني المستقل FYQD مع لعبة Bright Memory: Infinite، حيث تدعم اللعبة تقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” ورفع الدقة بالتعلم العميق “DLSS”، وبالفعل نجحت محاولة المطور، حيث نشرت Nvidia تدوينة عن دعم اللعبة لهاتين التقنيتين، وحظيت اللعبة باهتمام بعض اللاعبين ومنهم أنا.
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة Bright Memory: Infinite
أيضاً، تسهل ملاحظة تأثير تتبع الأشعة “Ray Tracing” الذي تهواه أعين اللاعبين مع الانعكاسات، وتلك لن تتحقق إلا إذا احتوى المشهد على الكثير المُسطحات المائية والأجسام المعدنية والزجاجية. لا يهتم معظم اللاعبين بواقعية الإضاءة والظلال بقدر ما يهتمون بالانعكاسات الجذابة والممتعة بصرياً، وبالتالي إن وجد اللاعبون أن المتعة البصرية ليست كافية لتستحق التضحية بسلاسة الأداء ودفع المزيد من المال لشراء البطاقات الرسومية الداعمة للتقنية، فلن يرغب أحدهم في تفعيل التقنية وربما قد يحجم عن شراء بطاقات رسومية قوية.
أخيراً، قد يكون سبب المبالغة في استعراض الانعكاسات والتملق بدعم تتبع الأشعة “Ray Tracing” هو إخفاء ضعف الرسوميات أو تبرير علو متطلبات التشغيل أو ضعف التوافق مع العتاد “Optimization” أو سوء الأداء، تماماً كما فعلت The Lord of the Rings: Gollum القبيحة رسومياً و Forspoken البشعة تقنياً، فرغم دعمها لتتبع الأشعة “Ray Tracing”، إلا أن كلتا اللعبتين قدمتا رسوميات محبطة وأداءً كارثياً، ولم تنقذهما تلك التقنية من أن تكونا أضحوكة العام وعبرةً لعدم الاكتراث بصقل الأداء.
- اقرأ أيضاً: مراجعة لعبة The Lord of the Rings: Gollum
المبالغة في استعراض هذه التقنية يجعلها أبعد ما تكون عن الواقع
كم هو غريب أن يتشدق مطورو الألعاب باقتراب رسوميات ألعابهم من الواقعية بفضل دعم تقنيات ثورية مثل تتبع الأشعة “Ray Tracing” وما أن يدعموها بألعابهم، نتفاجأ بالكثير من اللمعان غير المُبرر، فقد يكون مكان واحد في اللعبة مكتظاً بالكثير من المُسطحات المائية والأجسام اللامعة لدرجة لا تحدث في الحياة الواقعية، والعجيب أن الأرضيات نفسها لا تسلم من ذلك حيث تشع بالضوء وتظهر الانعكاسات وكأنها مرايا أو صحون معدنية ضخمة!
المثير للسخرية أن العديد من اللاعبين غير راضين عن هذه الانعكاسات الخيالية التي يعتقد الكثير من المطورين أن تقديمها سيحسن من التجربة الرسومية وسيزيد من مبيعات لعبتهم، فقد ساور البعض تساؤل مفاده: “بما أن الأرضيات لامعةً هكذا، لما لا يضعون مرايا بدلاً منها بحق الجحيم؟!” الأمر وصل لدرجة أن بعض اللاعبين يفضلون اللعب بدون تفعيل تقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” حفظاً لأعينهم من الاحتراق وتوفيراً لعمر بطاقاتهم الرسومية الثمينة وتمكيناً لها من تشغيل الألعاب بأداء سلس.
أريد أن أطلب من كل مطور عند تزويد لعبته بتقنية تتبع الأشعة “Ray Tracing” أن يسأل نفسه سؤالاً واحداً، ألا وهو: “هل سيكون ذلك واقعياً؟”. إنه سؤال غاية في البساطة ولكنه شديد الأهمية ويغير الكثير حقاً، فإذا كانت الإجابة بالنفي، فما الذي قد يدفع أحدهم للتضحية بجزء كبير من معدل الإطارات أو تحمل فقدان بعض من الجودة عبر تفعيل تقنيات رفع الدقة “Upscaling” لتجنب انخفاض الأداء من أجل بعض الانعكاسات الخاضعة لقوانين الفيزياء والمخالفة تماماً للواقع؟ فكروا بالله عليكم!
لحسن الحظ، أدرك القليل من المطورين في الوقت المناسب أن المثالية غير مشروطةً وأن عظمة تتبع الأشعة “Ray Tracing” لا تكمن في تجميل الواقع، ولكن في محاكاته بمزاياه وعيوبه كما هو، ومن هؤلاء المطورين CD Projekt Red الذي قدم تتبع الأشعة “Ray Tracing” بشكل رائع في Cyberpunk 2077، حيث تقدم اللعبة مستوى ظلال وانعكاسات وانسداد محيطي “Ambient Occlusion” عظيم ليلاً ونهاراً، كما أنها تدعم تتبع المسارات “Path Tracing” للاستمتاع بتتبع الأشعة “Ray Tracing” بإعداداته القصوى، والذي أنصحك بتجربته لرؤية مدينة Night City الساحرة بجمالها الحقيقي.