كل يوم نرى لعبة جديدة برسومات أقوى من سابقتها وصناعة الألعاب تشهد تقدمًا دوريًا، وأصبح التركيز على تقديم تجارب رسومية فائقة الجودة دون المساس بمعدل الأداء أمرًا بالغ الأهمية. منذ إطلاق تقنية DLSS (Deep Learning Super Sampling) من إنفيديا، أحدثت الشركة ثورة في كيفية تحسين الإطارات وجودة الصورة باستخدام الذكاء الاصطناعي. الآن، في معرض CES 2025، أعلنت إنفيديا عن جيل جديد من هذه التقنية DLSS 4، الذي يمثل تحولًا نوعيًا في الرسوميات، وهو مصمم خصيصًا لتحقيق أقصى استفادة من بطاقات GeForce RTX 50.
تأتي DLSS 4 مع مجموعة من الابتكارات الجذرية، أهمها تقنية توليد الإطارات المتعددة “Multi Frame Generation”، التي تغير قواعد اللعبة بشكل كامل، وتتيح للاعبين أداء فائق السرعة مع جودة صورة تحاكي الدقة الأصلية أو تتجاوزها.
رحلة تطور DLSS حتى الإصدار الرابع
قبل الحديث عن DLSS 4، يجدر بنا فهم الإرث الذي تركته الإصدارات السابقة. ظهرت تقنية DLSS لأول مرة كوسيلة لتحسين أداء الألعاب عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي. كانت النسخة الأولى تعمل على رفع دقة الصور من خلال بيانات محدودة، مما أدى إلى تحسين الأداء دون التأثير الكبير على الجودة. لكن مع إصدار DLSS 2.0، أدخلت إنفيديا تحسينات هائلة في جودة الصورة واستقرار الأداء، مما جعل التقنية معيارًا في الصناعة.
ثم جاء DLSS 3.0 ليضيف ميزة توليد الإطارات “Frame Generation”، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنشاء إطارات إضافية بين الإطارات التقليدية، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في معدل الإطارات وتجربة لعب أكثر سلاسة. ومع كل هذا التقدم، كان العالم يتطلع لما يمكن أن تقدمه إنفيديا في الخطوة التالية.
ما الجديد في DLSS 4؟
الإصدار الرابع من DLSS ليس مجرد ترقية تقنية، بل هو إعادة تعريف لطريقة عرض الرسوميات في الألعاب. أهم ما يميز هذا الإصدار هو تقنية توليد الإطارات المتعددة “Multi Frame Generation”، التي تتيح إنشاء ما يصل إلى ثلاثة إطارات إضافية لكل إطار تقليدي. هذا الابتكار يجعل الألعاب تعمل بأداء يصل إلى 8 أضعاف الأداء التقليدي، مما يسمح بتشغيل الألعاب بدقة 4K ومعدل تحديث 240 إطارًا مع Path Tracing بدون أدنى مشاكل.
تقنية توليد الإطارات المتعددة تعتمد على مزيج من التحسينات البرمجية والعتادية. بفضل استخدام معمارية Blackwell الجديدة ونماذج الذكاء الاصطناعي المطورة، أصبح بالإمكان تحقيق هذه القفزة الكبيرة دون التضحية بالجودة أو زيادة استهلاك الطاقة.
التقنيات المعززة بالذكاء الاصطناعي: المحولات تدخل اللعبة
أحد الجوانب الأكثر إثارة في DLSS 4 هو استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي القائمة على تقنية المحولات “Transformers”، وهي نفسها التي تدعم نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة مثل ChatGPT. ما يميز المحولات هو قدرتها على تحليل كل بيكسل ضمن سياق الإطار الكامل، وليس فقط في نطاق محدود كما كان الحال مع الشبكات العصبية التقليدية “CNNs”.
هذا النهج الجديد يقدم تحسينات بصرية مبهرة تعزز من جودة تجربة اللعب بشكل عام. فقد أصبح بالإمكان تقليل الوهج والتشويش إلى حد كبير، مما يجعل التفاصيل الدقيقة، مثل الأسلاك أو الأجسام المتحركة، أكثر وضوحًا وثباتًا حتى في المشاهد المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، تسهم التقنية في زيادة التفاصيل التي تظهر أثناء الحركة، حيث يمكن الآن رؤية الكائنات المتحركة بوضوح استثنائي ودون تأثير الظلال الوهمية المزعجة، والمعروفة بـ “Ghosting”.
علاوة على ذلك، يوفر النظام الجديد استقرارًا زمنيًا أكبر، مما يجعل تجربة اللعب أكثر سلاسة وواقعية، خاصة في المشاهد التي تتسم بتغيرات متكررة في الإضاءة، ما يعزز من إحساس الانغماس لدى اللاعبين. في ألعاب مثل Alan Wake 2، أظهرت تقنية DLSS 4 تحسينات هائلة، حيث أصبحت التفاصيل الصغيرة مثل حواف الأسوار والأسطح المعدنية أكثر وضوحًا، وتم تقليل الظلال الوهمية على المراوح المتحركة.
كفاءة وأداء غير مسبوقين
مع كل هذه التحسينات، قد يتساءل البعض عن تكلفة الأداء. هنا يأتي دور الابتكارات العتادية في بطاقات GeForce RTX 50. تقدم هذه البطاقات الجيل الخامس من أنوية Tensor، التي تتمتع بقدرة معالجة ذكاء اصطناعي تصل إلى 2.5 ضعف ما كان متاحًا في الجيل السابق.
بفضل هذه التحسينات، أصبح بالإمكان تشغيل خمس نماذج ذكاء اصطناعي لكل إطار – تشمل توليد الإطارات المتعددة، وإعادة بناء التتبع الإشاعة “Ray Reconstruction”، ودقة الصورة الفائقة “Super Resolution” – خلال جزء بسيط من الثانية.
كانت تقنية DLSS 3 Frame Generation تعتمد بشكل أساسي على مسرّعات التدفق البصري “Optical Flow Accelerators” لتوليد إطار إضافي لكل إطار تقليدي، ما ساهم بشكل كبير في تحسين معدل الإطارات وأداء الألعاب؛ ومع ذلك، يأتي الإصدار الجديد Multi Frame Generation في تقنية DLSS 4 ليُحدث ثورة حقيقية في هذا المفهوم.
باستخدام مزيج مبتكر من تحسينات عتاد Blackwell المتطور ونماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة، أصبح بإمكان النظام توليد إطارات متعددة بكفاءة غير مسبوقة. يعمل هذا النموذج الجديد على تحسين الأداء بطرق ملموسة، حيث يتيح تقليل استهلاك الذاكرة الرسومية “VRAM” بنسبة تصل إلى 30%، مما يخفف العبء على الجهاز أثناء تشغيل الألعاب الثقيلة. بالإضافة إلى ذلك، تم تسريع عملية توليد الإطارات بنسبة كبيرة تصل إلى 40%، ما يعني تجربة لعب أكثر سلاسة واستجابة.
علاوة على ذلك، يقلل النموذج الجديد من التكلفة الحوسبية بشكل كبير، حيث لم يعد يتطلب تشغيل نموذج الذكاء الاصطناعي لكل إطار إضافي على حدة. بدلاً من ذلك، تتم العملية بكفاءة مضاعفة، ما يسمح بتحقيق أداء أعلى دون التضحية بالجودة أو تحميل زائد على وحدة المعالجة الرسومية “GPU”. هذا التطور يجعل Multi Frame Generation ليس مجرد تحسين تدريجي، بل قفزة نوعية في تكنولوجيا الرسوميات الحديثة.
هل DLSS 4 متاحًا لأجيال السابقة؟
يعتبر DLSS 4 متاحًا لأجيال متعددة من بطاقات GeForce RTX، بدءًا من RTX 20 وصولاً إلى RTX 50، مما يعني أن مجموعة واسعة من مستخدمي بطاقات الرسومات الحديثة سيتمكنون من الاستفادة من هذه التحسينات الرائعة. هذا التنوع في التوافر يتيح لمختلف الفئات من اللاعبين والمحترفين في مجال الرسوميات الاستفادة من مزايا DLSS 4 لتحسين أدائهم البصري في الألعاب والتطبيقات التي تعتمد على الرسومات المتقدمة.
لكن مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن بعض الميزات الجديدة، مثل توليد الإطارات متعددة “Multi Frame Generation”، يقتصر على الجيد الجديد فقط. لذلك، فإن المستخدمين الذين يمتلكون بطاقات RTX 50 سيحظون بتجربة متميزة أكثر تطورًا مقارنة بالآخرين الذين يملكون بطاقات من الأجيال السابقة.
على الرغم من ذلك، تبقى DLSS 4 تقنية شاملة وقوية توفر العديد من المزايا عبر جميع الأجيال المدعومة، حيث تتيح للمستخدمين تحسين الأداء والجودة بشكل عام. حتى بطاقات RTX 20 التي قد تكون قديمة نسبيًا مقارنة بالأجيال الأحدث، فإنها ستتمكن من الاستفادة من بعض المزايا.
توافق واسع وتحسينات شاملة
أثناء إطلاق بطاقات GeForce RTX 50 سوف تقدم NVIDIA الدعم لتقنية DLSS Multi Frame Generation لأكثر من 75 لعبة وتطبيق منذ اليوم الأول. ما يميز هذا الجيل الجديد هو التوافق التام مع التكاملات السابقة لتقنيات DLSS، ما يعني أن المستخدمين لن يضطروا للقلق بشأن توافق التقنية مع ألعابهم المفضلة، حيث تم تصميم هذه التقنيات لتعمل بسلاسة مع التجارب الحالية.
سيتم تحديث عناوين بارزة مثل Alan Wake 2 وCyberpunk 2077 وIndiana Jones and the Great Circle وStar Wars Outlaws لدعم DLSS Multi Frame Generation بشكل مدمج. هذا الدعم سيضمن للاعبين تجربة أكثر سلاسة مع رسوميات محسّنة ومعدلات إطارات مرتفعة.
إلى جانب هذه العناوين، ستنضم ألعاب أخرى مثل Black Myth: Wukong وNARAKA: BLADEPOINT وMarvel Rivals وMicrosoft Flight Simulator 2024 إلى القائمة قريبًا، مما يعني أن المستخدمين سيحصلون على تحسينات جديدة بشكل مستمر. أما الألعاب الجديدة مثل Black State وDOOM: The Dark Ages وDune: Awakening، فهي تنطلق مباشرة مع دعم كامل لتقنية DLSS Multi Frame Generation، ما يجعل هذه التقنية جزءًا لا يتجزأ من مستقبل ألعاب الفيديو.
وماذا عن الألعاب القديمة؟
بسبب إن ليس جميع المطورين قادرين على تحديث ألعابهم القديمة لتدعم أحدث تقنيات DLSS فورًا. هنا تأتي ميزة DLSS Override، التي توفرها NVIDIA عبر تطبيقها. هذه الميزة تجعل من السهل على اللاعبين تحسين أداء ألعابهم القديمة والاستفادة من التحسينات الجديدة دون انتظار التحديثات الرسمية من المطورين. بمجرد تثبيت تحديث GeForce Game Ready Driver الجديد وتحديث تطبيق NVIDIA، سيتمكن المستخدمون من الوصول إلى إعدادات DLSS Override داخل التطبيق.
تتيح DLSS Override خيارات مرنة للتحكم في أداء الألعاب وتحسين التجربة:
- DLSS Override for Frame Generation: يتيح تفعيل Multi Frame Generation لمستخدمي بطاقات RTX 50 عند تمكين ميزة توليد الإطارات داخل اللعبة.
- DLSS Override for Model Presets: يمكن لمستخدمي بطاقات RTX 50 وRTX 40 Series الوصول إلى أحدث نماذج توليد الإطارات، بالإضافة إلى تمكين النماذج القائمة على المحولات لتحسين دقة الصورة وإعادة بناء الإشاعة لجميع مستخدمي بطاقات RTX.
- DLSS Override for Super Resolution: يقدم خيارًا لتحديد دقة العرض الداخلي لتقنية Super Resolution، مما يتيح تفعيل الوضع عالي الأداء أو وضع DLAA داخل اللعبة.
وبذلك أصبح تحسين الألعاب وتحديثها أسهل من أي وقت مضى. كل ما يحتاجه المستخدم هو بضع نقرات داخل تطبيق NVIDIA للوصول إلى أحدث التقنيات. علاوة على ذلك، تعمل NVIDIA على توسيع دعم الألعاب تدريجيًا، حيث تُجري اختبارات مكثفة للنماذج الجديدة على المزيد من العناوين لضمان تقديم أفضل تجربة لعب ممكنة.
ختامًا
مع إطلاق DLSS 4، تؤكد إنفيديا ريادتها في تطوير تقنيات رسومية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. بفضل الأداء المذهل والجودة البصرية الرائعة ودعم واسع للألعاب، أصبحت DLSS 4 أداة أساسية للاعبين والمبدعين. هذه التقنية ليست مجرد تحسين، بل نقلة نوعية تغيّر قواعد اللعبة، حيث يلتقي الذكاء الاصطناعي مع العتاد المتقدم لخلق تجربة لعب غير مسبوقة. إذا كان هذا ما تحقق اليوم، فإلى أين يمكن أن تصل صناعة الألعاب في المستقبل؟