مقالات

هيديتاكا ميازاكي؛ العقل المدبر وراء Elden Ring وألعاب السولز

عندما تصنع تصنيفًا جديدًا في صناعةٍ مدججة بالتصنيفات وتجعل اللاعبين يُدمنون على عناوين تتسبب في ارتفاع ضغطهم بسبب صعوبتها، فاعلم أنك هيديتاكا ميازاكي. تأثر بصُناع مختلفين، فأثر في اللاعبين كلهم وجعلهم يُشيدون به بعدما أسس ما يُعرف بألعاب السولز.

بدايات حياة هيديتاكا ميازاكي

وُلد ميازاكي باليابان في سبعينيات القرن الماضي وترعرع في منزل حالته المادية متواضعة جدًا لدرجة جعلته يعيش هائمًا في حياته دون هدف أو مسعى. لم تكن له هوايات كثيرة، ولكنه تميز بهدوئه وحبه الشديد للقراءة. عائق المادية كان دائمًا ما يحول بينه وبين الكتب، ولكن شغفه لم يوقفه وكان يحركه يوميًا للمكتبة التي كان يقضي فيها ساعات طويلة في القراءة.

مُعظم الكتب كانت باللغة الإنجليزي وهذا صَعَّب المهمة على الطفل الشغوف، ومع ذلك وبسبب مخيلته الواسعة واطلاعه الدائم، تمكن ميازاكي الصغير من خلق تصوراته الخاصة وصنع عالمه الذي سرعان ما انعكس على ألعابه في المستقبل. وعلى سيرة ألعاب الفيديو، أحب الولد الشاب أن يستمتع بها، ولكنه لم يُضِع عليها الكثير من الوقت إلى أن وصل إلى الجامعة وبدأ يصرف المزيد من الوقت على ألعاب الطاولة الشهيرة مثل Dungeons & Dragons.

تخرج ميازاكي من جامعة كياو بدرجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية، وعمل بعدها كمدير حسابات في الشركة الأمريكية التقنية المشهورة، Oracle.

اختلاطه بزملائه ومعرفة من حوله باهتمامه الشديد بالألعاب جعل أحد أصدقائه يوصيه بلعبة ICO والتي صدرت على البلايستيشن 2 لأول مرة في أواخر 2001. تجربته للُعبة واهتمامه بتفاصيلها جعله يغير وجهة نظره عن العمل الروتيني ويفكر بالألعاب مرةً أخرى.

FromSoftware

النزعة الإبداعية موجودة عند ميازاكي، ولكن المشكلة تكمن في عمره الذي شارف على الثلاثينيات. سعى هيديتاكا وراء شركات قد توظفه وتستفيد من خياله وإبداعاته إلى أن وصل إلى الشركة التي ستغير حياته إلى الأبد، وهو بدوره سيغيره مسارها 180 درجة، ألا وهي شركة FromSoftware.

في 2004 كان الاستديو يعمل على أحد أجزاء سلسلة Armored Core، وبالتحديد Armored Core: Last Raven، وفي مُنتصف التطوير جاء ميازاكي لينضم إلى فريق العمل، وصدرت اللعبة في 2005 وحصلت على تقييمات متوسطة. خطوة أولى ليست سيئة، ولكنها ليست موفقة أيضًا في نفس الوقت.

 بعد تلك البداية، منحت FromSoftware مبدعنا فرصةً أخرى وجعلته يُخرج الجزء الجديد من السلسلة، Armored Core 4، كاملًا بمفرده، ولكن الجزء الجديد حصل على تقييمات متوسطة هو الآخر مما تسبب في إحباطٍ مؤقت لميازاكي. لم ييأس هيديتاكا وأخرج جزءً آخر من السلسلة في 2008، ومع ذلك حصل على تقييمات متوسطة هو الآخر!

Armored Core

شغف ميازاكي المستمر ودأبه الذي اكتسبه من القراءة ومن بيئته أعاناه على تخطى تلك الإحباطات المتتالية، وكمكافئة إلهية على صبره، سمع هيديتاكا عن مشروعٍ تعمل عليه الشركة، وليس أي مشروع، بل مشروع بطابع فانتازي حركي ومن نوع تقمص الأدوار، وهو النوع الذي يحبه بطل مقال اليوم ذو الخيال المُكتسب من حب القراءة.

البداية الحقيقية لميازاكي – Demon’s Souls

ذلك المشروع كان لُعبة Demon’s Souls، والتي تعد أول لعبة حقيقة من ألعاب الفئة الجديدة التي “اخترعها” ميازاكي -ألعاب السولز-، ومن حسن حظ هيديتاكا، أن الاستديو لم يكن مهتمًا بتلك اللعبة من الأساس وكان يتوقع فشلها، وهنا كانت النقطة الحاسمة؛ فلعبة لا يُعَول عليها كثيرًا هي فرصة ممتازة لكي يضخ فيها ميازاكي طاقته. إن فشلت، فلا مشكلة، ولكن إن نجحت، فكل الفضل سيذهب إلى المبدع الذي غير فيها كل شيء تمامًا.

في 2009، صدرت اللعبة أخيرًا. وقد تتوقع أنها حطمت المبيعات وكسرت أرقامًا قياسًا وقت صدورها، ولكن هذا لم يحدث! كان اللعبة صعبة لدرجةٍ استفزت سوني ومنعت نشرها خارج اليابان. لم تكن اللعبة سيئة، وكل مُعجب بالسلسلة يعلم ذلك الأمر، ولكن الأمور في البداية لم تكن على ما يُرام، ومع ذلك حدث ما نعرفه جميعًا مع اللعبة، انفجرت!

آمنت بعض الشركات الأخرى باللعبة الواعدة والصعبة ونشروها خارج اليابان، وبالفعل، حققت نجاحات لم يكن ليتوقعها عاقل وقتها. أُعجب بها الملايين وحصلت على متوسط تقييمات 89 على موقع النقاد Metacritic وقتها. ما أقلق سوني -صعوبة اللعبة- وجعلها تُعرِض عن نشر اللعبة خارج اليابان، كان السبب الرئيسي وراء نجاحها. حصلت اللعبة على إشادات النقاد واللاعبين وحصلت على جوائز عديدة، وأعطاها موقع GameSpot وقتها لقب لُعبة العام، وأفضل لُعبة على البلايستيشن 3، وكذلك أفضل لُعبة تقمص أدوار.

انتشار ألعاب السولز

وضع ميازاكي جُل مجهوده في اللعبة الأولى من تلك الفئة، وبسبب رؤيته الفريدة ونجاح Demon’s Souls، قرر استديو FromSoftware أن يثق به ويجعله يعمل على المشروع الكبير القادم بنفسه، وكان ذلك المشروع هو الجزء الأول من Dark Souls والذي تولى ميازاكي إخراجه وإنتاجه بنفسه.

هنا، وبداية من 2011 (تاريخ إصدار اللعبة)، أدرك اللاعبون أنهم على أعتاب فئة جديدة تمامًا من الألعاب، وبداية من الأيام الأولى من إطلاقها، نجحت اللعبة وأشاد بها الجميع، وحققت في سنتين فقط ما يزيد عن 2 مليون نسخة وشكر الجميع في تصميم المراحل، ونظام الـ Multiplayer، وطريقة السرد. وبسبب ما فعله ميازاكي بفضل تلك الألعاب، تمت ترقيته لمنصب مدير الشركة في 2014، وهو ما كان إنجازًا لم يسبقه إليه أحد من اليابانيين.

نجاح وراء الآخر جعل شركة سوني تطلب من الاستديو أن ينُتج لعبة حصرية للبلايستيشن، وبالفعل وافق رئيس الشركة الجديد بشرط أن تكون تلك اللعبة حصرية للجيل الجديد، أي البلايستيشن 4 وقتها.

بدأ ميازاكي العمل على لُعبة Bloodborne، حصرية سوني الجديدة في نفس الوقت الذي زادت فيه مطالب اللاعبين بالجزء الجديد من Dark Souls، وبسب انشغال ميازاكي بحصرية سوني الجديدة، لم يستطع أن يُخرج الجزء الجديد من Dark Souls واكتفى فقط بالإشراف على الجزء الجديد.

صدرت Dark Souls 2 على أجهزة الجيل القديم وحققت نجاحات تفوقت حتى على الجزء الأول وحصلت على جائزة لعبة العام، ولكن لمسة ميازاكي الغائبة جعلت معظم اللاعبين يفضلون الجزء الأول عليها. بعد ذلك بعام واحد فقط، صدرت تحفة Bloodborne الفنية والتي اعتبرها الآلاف أفضل لعبة في عالم السولز، مع الأخذ في الاعتبار أن Bloodborne لا علاقة لها باللعبتين السابقتين. الشيء المشترك بينها وبين أسلافها هو مستوى الصعوبة المرتفعة.

هيديتاكا ميازاكي

نجاح حصرية سوني الجديدة فاق توقعات سوني نفسها، وجعل ألعاب كثيرة أخرى تتبنى نفس الأسلوب لدرجة جعلت اللاعبين يُطلقون مصطلح Soulslike على الألعاب التي تتبنى أفكار ألعاب السولز.

بعد كل تلك النجاحات، وكما كان متوقعًا؛ جاء الجزء الثالث من سلسلة Dark Souls وحقق تقريبًا نفس النجاح الذي حققته أسلافها. ولأن ميازاكي ليس روكستار؛ أي أنه لا يريد حَلبَ ألعابه، قرر أن يبتعد عن فئة السولز قليلًا وعمل على Déraciné وهي لعبة واقع افتراضي وألغاز صدرت في 2018 ولم تحقق رواجًا مثل باقي ألعاب ميازاكي.

هيديتاكا ميازاكي

وأخيرًا وليس آخرًا، وقبل الدخول على تحفة هيديتاكا ميازاكي الأبدية، عمل المبدع على Sekiro: shadows Die Twice، والتي حققت نجاحات ساحقة هي الأخرى وحصلت على لعبة العام في حفل جوائز جيف كيلي The Game Awards.

Elden Ring.. Oh Elden Ring

هيديتاكا ميازاكي

لا أدري من أين أبدأ، ولكن يكفي أن أقول إننا لم نر أي تقييم غير مكتمل للعبة؛ ففي كل المواقع العالمية والمحلية التي ألقينا نظرة عليها، وجدنا مراجعات Elden Ring قد حصلت على العلامة الكاملة. لعبةٌ شارك في كتابتها كلًا من ميازاكي وجورج آر مارتن (كاتب مسلسل Game of Throns)، فماذا تتوقع منها؟ حتمًا، ولا بد أن ضجتها قد وصلت إليك عزيزي المتابع، إلا إذا كنت تعيش تحت صخرة ما أو منعزل عن العالم!

بداية من كشف الستار عنها في 2019، واللعبة تجذب اهتمام الملايين. حازت على جائزة أكثر لعبة انتظارًا لعامين متتالين في حفل The Game Awards وكانت أهلًا للمسؤولية.

هيديتاكا ميازاكي

تحقق Elden Ring الآن تقييمات تجعلها من الأعلى تقييمًا في التاريخ، وتصنع مجدًا بسيطرتها على المتاجر الإلكترونية مثل Steam، ناهيك عن استيلاءها على عقول وقلوب اللاعبين وإجبارهم على احترامها واحترام صانعها العظيم هيديتاكا ميازاكي.

Ahmed Safwat

أتساءل إلى أين ستصل بنا التقنية في المستقبل، وأنطلق من هذا التساؤل إلى محاولات بائسة، ولكن شغوفة، للبحث عن الجواب من خلال كلمات عن الألعاب والتقنية.
زر الذهاب إلى الأعلى