مقالات

لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة؟

بين كارثة GTA Trilogy وخذلان Vanguard ماذا يحدث؟

لا شك أن 2021 هي واحدة من أغرب السنوات في صناعة ألعاب الفيديو، فالكثير من الألعاب المُنتظرة لهذه السنة صدرت بشكل لم يرضي جماهيرها وأكبر مثال على هذا هو ثلاثية GTA المُحسنة، حتى تلك الألعاب التي تصدر سنويًا، وتحصد نجاحًا مبيعيًا مضمونًا، واجهت صعوبة في تحقيق نفس تلك المبيعات التي كانت تتحق بسهولة مثل Call of duty Vanguard و efootball 2022. فما السبب في ذلك الصدع الذي يتزايد بين الجماهير والشركات المطورة/الناشرة للألعاب؟ وكيف انتقلنا أصبح من الطبيعي أن نرى لعبة شهيرة تحظى بتقييم سيء نتيجة لغضب اللاعبين على موقع Metacritic؟

أولًا: تحول الصناعة إلى مجال تجاري/ربحي بعد أن كانت مجال يسوده الشغوفين:

لمن كان منقطعًا عن صناعة الألعاب، أو لا يعرف كيف وصل الوضع إلى هذا الحد، دعني أخبرك بأن ما نحن فيه هو التطور الطبيعي لأي مجال في العالم. ففي البداية، تجد أن “مؤسسي” ذلك المجال هم فقط ممن هم شغوفين بكل شيء يمثله مجالهم، ويعرفون كيف يدفعونه للأمام ويطورونه بالشكل اللائق. كانت صناعة الألعاب قديمًا تقوم على أكتاف من هم في الأصل لاعبين، يقومون بتجربة الألعاب المختلفة ويستمتعون بوقتهم وهم يلعبونها. وكان تفكيرهم في كيفية نقل تلك المتعة لأكبر عدد ممكن من الأفراد.

منذ فترة ليست ببعيدة، وخصوصًا بعد النجاح الساحق الذي حققته لعبة GTA V بتحقيق أرباح تقدر بستة مليار دولار أمريكي، لفتت الصناعة أنظار الشركات الكبرى بشكل غير مسبوق. جميع المستثمرين الذين لا يفقهون شيئًا عن تلك الصناعة العظيمة باتوا يريدون قطعة من الكعكة! المبلغ الذي حققته لعبة GTA V وحيدةً ضعف أكثر فيلمين ناجحين في تاريخ السينما الأمريكية وهما Avatar و Avengers Endgame مجتمعين!!

هذه النقلة جعلت من “تطوير الألعاب” وظيفة أكثر من كونها شغف، وأقتحم المجال الكثير من الأشخاص الدخيلة، بسياسات دخيلة هي الأخرى، لم نكن معتادين عليها. أشياء مثل الكذب علانيةً في التسويق، وهو ما رأيناه مع لعبة Cyberpunk 2077 مثلًا! وأشياء اخرى مثل العزوف عن تأجيل الألعاب حتى وإن تخللها كوارث تقنية تحتاج لوقت كبير ليتم إصلاحها بالكامل، فقط لأجل عدم تأثر أسهم الشركة، أو انسحاب المستثمرين منها. هذه السياسات التي أصبحنا نراها مؤخرًا كنا نراها فقط في مجالات مثل إدارة الأعمال والشركات الكبرى، وليس في “منتج ترفيهي” من المفترض أن يعمل عليه من لديه أساسيات المعرفة البديهية بطبيعة الصناعة.

فايروس كورونا والازمة المالية العالمية المترتبة عليه

تشهد صناعة الألعاب منذ انتشار وباء كورونا تراجعًا في جودة الألعاب التي يتم تقديمها، وفي المقابل تشهد صناعة الألعاب المستقلة ازدهارًا كبيرًا، لأن كليهما (الألعاب الكبيرة والمستقلة) بات يتم العمل عليها من المنزل الآن، وهنا تظهر جودة من يعملون بشغف على مشاريعهم، وبين من يعملون لتسليم عملهم في موعده لتجنب أي خصم او عقوبه. تضررت صناعة الألعاب بسبب فايروس كورونا عن طريق تأثيره الواضح على توفر أجهزة الجيل الجديد، وأسعارها. وأيضًا تاثيره على القدرة الإنفاقية للفرد على مجالات الترفيه في المجمل. لقد أصبح الأفراد أقل استعدادًا لشراء الألعاب عن ذي قبل، وهو ما يدفع الكثير من الشركات لدق ناقوس الخطر، ومحاولة القيام بأفعال حمقاء لكسب المزيد من المال في وقت قصير.

في مراجعتي للعبة GTA Trilogy كتبت أنه “لا يوجد مبرر لإصدار هذه الثلاثية القديمة بهذا الأداء التقني والشكل متفاوت المستوى إلا أن روكستار احتاجت بعض المال لتحسين وضعها المادي(يمكنك قراءة المراجعة كاملة من هنا) ما قصدته هنا هو أن إصدار نسخة محسنة من ثلاثة ألعاب يعشقها الجميع تقريبًا بالسعر الكامل (60 دولارًا) قد يكون مخرجًا من ازمة مالية ضربت الشركة، خصوصًا مع الشائعات الدائرة حول كواليس تطوير GTA 6 والتي تعاني من ما يسمونه “جحيم التطوير” وهو ما يُطلق على التخبط وافتقاد الرؤية الكاملة للمشروع، والذي يترتب عليه عادة مشاريع كارثية، أو ضعيفة في أفضل الأحوال. تقول الإشاعة أن اللعبة تم إعادة تطويرها لأكثر من مرة لأن المطورون والكتاب يجدون صعوبة في إيجاد رؤية موحدة للمشروع خصوصًا بعد مغادرة Dan Houser أحد مؤسسي روسكتار للشركة. شخصيًا أرجح صحة تلك الأخبار لأنه لا يوجد مبرر أخر لتأخير روسكتار حتى في الإعلان عن GTA 6 لهذه الدرجة، ناهيك عن الشكل الكارثي الذي خرجت به الثلاثية المُحسنة.

لعبة أخرى تأثرت بفيروس كورونا هي Cyberpunk 2077 التي شعرت وأن مطورها أراد فقط أن تخرج تلك اللعبة للنور بأي شكل حتى يتوقف ضغط أصحاب النفوذ داخل الشركة على المطورين. لقد أثرت سنوات الوباء على الصناعة بشكل عام جعل من العمل على تطوير الألعاب العملاقة عملًا شاقًا، لا يؤتي ثماره بالشكل المرجو، وبالتالي، ولكن بالطبع صناع القرار، والمستثمرين لا يحبون إعطاء مشاريعهم وقتها الذي تستحقه، وإنما يفضلون أن يخرجوها بأي شكل كانت. وها نحن نعيش نتيجة ذلك في الوقت الحالي.

انعدام المنافسة يجعلك غير مهتم بالتحسين من منتجك: من أمن العقاب أساء الأدب!

هل تتذكرون القصة التي حُكيت لنا جميعًا كأطفال عن الأرنب الذي رفض إرهاق نفسه بالجري فقط لأنه يعرف تمام المعرفة باستحالة فوز منافسته السلحفاة عليه بسبب الفرق الكبير بينهما في السرعة؟ يبدو لي أن الكثير من مطوري الألعاب لا يعرفون شيئًا عن تلك القصة التي تُحكى للاطفال كعظة، وتحذيرًا شديد اللهجة لهم بأن الكسل قد يؤدي بهم إلى التهلكة، أو الهزيمة على أقل تقدير. هناك أمثلة وفيرة في عالم الألعاب على اتخاذ الشركات منهج التحسين البطيء في ألعابهم فقط لأن المنافس ليس على قدر المستوى الذي يحقق به خطرًا على “الأرباح”

لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة؟

أحد تلك الأمثلة هي شركة EA مع لعبتيها Battlefield و Fifa. سلسلتان عظيمتان ولكنهما لا يتحسنا كثيرًا بين الإصدارة والآخرى، خصوصًا Fifa التي بإمكانها تقديم تحسينات ثورية في كل عام إلا أنها تفضل الاستمرار في سياسة “اللي تكسب به إلعب به” كما نقول في عاميتنا المصرية. وبالطبع حال المنافس efootball لا يسر، ولا بشر بأي عودة قريبة.

يسرنا وجود لعبة أخرى لم يتم إعلان الكثير عنها وهي UFL التي تبدو واعدة، حتى وإن لم تحقق نجاحًا هذا العالم، قد تحققه لاحقًا، فما لا يدرك كله لا يترك كله.أما باتلفيلد والتي تمر حاليًا بحالة صدام مع مجتمع اللاعبين بسبب الأداء التقني لإصدارة Battlefield 2042 و بعض مشاكل ميكانكيات اللعب. يبدو أن باتلفيلد هي الأخرى ستحصل على منافس قريبًا جدًا، يتمثل في لعبة World War 3 وهي لعبة مجانية من تطوير استوديو Farm 51 نفس الاستوديو الذي اخرج لنا ألعاب Chernobylite و Get even.

لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة؟

أعرف انك ستسألني، هل تعتقد بكل سذاجة بأن تلك الألعاب الصاعدة قد تكون أفضل من ألعاب مثل فيفا وباتلفيلد اللتين يُصرف عليهما ملايين الدولارات سنويًا؟ ردي هو لا بالطبع، ولكن يا صديقي عليك أن تعود إلى العنوان الفرعي لهذه الفقرة، الغرض هنا هو “التحسين” فالمنافسة هي أكثر الأشياء المفيدة للمستهلك لأن الشركات وقتها تسعى للتحسين المستمر لمنتجها عندما تلاحظ تراجع شعبيته وصعود نجم آخر “قد” أو “قد لا” يشكل منافسة على المبالغ التي تدخل إلى جيوبهم بشكل مستمر. هذه الشركات لا تقبل فكرة أن ينافسها، والدليل على ذلك هو التحسن الذي تشهده تلك الألعاب في فترات المنافسة المحتدمة. لا تنسى أن لعبة Battlefield 1 جاءت بعد فترة تراجعت فيها شعبية Battlefield بشكل ملحوظ ضد منافسيها.

تفسير ظاهرة التقييمات المتدنية على Steam و Metacritic: الحرب ضد شركات الألعاب الجشعة

بعد شرح أسباب سلوك الشركات الحالي، والذي لا يبرر أي من أفعالهم على الإطلاق، يمكننا الآن الانتقال لتفسير ظاهرة التقييمات الكارثية لأي لعبة لا ترضي اللاعبين على مواقع Open Critic و Metacritic. أولًا علينا التعريف بتلك المواقع، وهي مواقع تجمع متوسط تقييمات النقاد لكل لعبة، كما تتيح لأي لاعب التسجيل وتقييم الألعاب بنفسه تحت مسمى User Review. بما أن إصدار الألعاب في صورة تقنية كارثية أصبحت عادة متعارف عليها منذ Assassin’s Creed Unity، ولأن المطورون لا يتعلمون الدرس، أصبح سلوك اللاعبين أكثر عدوانية تجاه الشركات التي تكرر الأخطاء الساذجة.

لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة؟

أصبحت التقييمات السيئة على ستيم، و Metacritic هي الرد الوحيد الذي يملكه اللاعبون لإيصال رسائل الرفض للشركات والمستثمرين، وللأسف بقدر كون ذلك ظالمًا لبعض المطورين الذين يعملون على بعض تلك الألعاب، إلا أنه وبالفعل سلوك مؤثر في الصناعة، وقد ينجح في إعادة تلك الشركات إلى صوابها مرة أخرى. شخصيًا أنا مقتنع بأن بعض من مطوري ألعاب Battlefield 2042 و Cyberpunk 2077 و Gta trilogy أرادوا أن يقدموا شيئًا رائعًا، واجتهدوا كثيرًا، ولا تستحق ألعابهم تقييم 0 مثلًا في النهاية، ولكن الوقت قد حان لأن تستفيق الشركات التي يبدو أن من يتحكمون فيها لا يفقهون شيئًا في صناعة الألعاب بالشكل السليم.

لماذا أصبحت شركات الألعاب شريرة؟

في العام الماضي كانت شركة Cd Project red هي الشركة التي سقطت من أنظار اللاعبين، وتوقف الجميع عن النظر إليهم كونهم الشركة التي تفهم جيدًا بأن نجاحهم من رضاء اللاعبين، وهذه السنة تأتي المفاجأة مع روكستار، ولا أعلم حقيقةً على من يأتي الدور تاليًا، ولكني سأبقى هنا أكتب عن صناعة الألعاب لأنها شغفي، وأريدها أن تبقى كذلك لا أن تتحول لمصدر إحباط.

Mostafa Argoun

رئيس التحرير ومدير المحتوى بالموقع،أحب ألعاب الفيديو منذ زمن بعيد، وأول لعبة قمت بتجربتها كانت لعبة فيلم هرقل (Hercules) علي الحاسب الشخصي. أحب ألعاب الRPG وخصوصًأ التي تهتم بالقصة وتفرعاتها، ولا مانع من ألعاب اللعب الجماعي التي تقدم شيئًا جديدًا، وتحترم وقت اللاعبين. أعمل في صحافة الألعاب منذ عام 2012 وأحب الكتابة كهواية جانبية.
زر الذهاب إلى الأعلى